AL FOUTOHATE AL ISLAMIA

  • Accueil
  • > فضح تزوير: (رسالة الاستواء والفوقية) على الإمام أبي محمد الجويني وبيان براءته منها

27 novembre, 2009

فضح تزوير: (رسالة الاستواء والفوقية) على الإمام أبي محمد الجويني وبيان براءته منها

maliket @ 1:16

الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله، وعلى آله وصحبه وبعد ..
فإن الحشوية قد أكثروا من الكذب والبهتان على علماء وأئمة أهل السنة والجماعة، وإن ممن ابتلي بكذبهم وتزويرهم عليه الإمام أبو محمد عبدالله بن يوسف الجويني الشافعي الأشعري المتوفى سنة 438هـ ، وهو والد إمام الحرمين أبي المعالي عبدالملك الجويني الشافعي الأشعري الكبير والأصولي الخطير المتوفى سنة 478هـ ، وقد ظهرت وانتشرت في الآونة الأخيرة رسالة في مسألة (الاستواء والفوقية والحرف والصوت) من قرأها لم يشك أن صاحبها متأثر بالحشو مائل إليه، زعموا أنها من تأليف أبي محمد الجويني، وقد طارت هذه الرسالة وانتشرت جدا حتى جعلوها عمدتهم في رجوع الشيخ الجويني عن عقيدة أهل السنة والجماعة واعتناقه مذهب الحشوية، فوجب النظر في أمرها وتحذير المسلمين من شرها ببيان واضح وبرهان لأهل الحشو فاضح فكتبت هذه الرسالة الوجيزة على وجه السرعة أبين فيها ما فتح الله تعالى به مما يؤكد كذب نسبتها إلى الإمام الجويني.
أولا: التعريف بالجويني:
ذكره الحافظ ابن عساكر في كتابه تبيين كذب المفتري في ضمن طبقات الأشاعرة فقال:
((ومنهم الإمام أبو محمد الجويني والد الإمام أبي المعالي رحمه الله . كتب إلي الشيخ أبو الحسن عبد الغافر بن إسماعيل الفارسي قال عبد الله بن يوسف بن محمد بن حيويه الجويني ثم النيسابوري أبو محمد الإمام ركن الإسلام الفقيه الأصولي الأديب النحوي المفسر أوحد زمانه تخرج به جماعة من أئمة الإسلام وكان لصيانته وديانته مهيبا محترما بين التلامذة فلا يجري بين يديه إلا الجد والحث والتحريض على التحصيل له في الفقه تصانيف كثيرة الفوائد مثل التبصرة والتذكرة ومختصر المختصر وله التفسير الكبير المشتمل على عشرة أنواع في كل آية توفي في ذي القعدة سنة ثمان وثلاثين وأربعماية ولم يخلف مثله في استجماعه . وسمعت خالي الإمام أبا سعيد يعني عبد الواحد بن عبد الكريم القشيري يقول كان أئمتنا في عصره والمحققون من أصحابنا يعتقدون فيه من الكمال والفضل والخصال الحميدة إنه لو جاز أن يبعث الله نبيا في عصره لما كان إلا هو من حسن طريقته وورعه وزهده وديانته في كمال فضله . وحدثني القاضي أبو بكر يحيى بن إبراهيم ابن أحمد بن محمد السلماسي بدمشق عن أبيه أبي طاهر قال قال أبو علي الحسن بن نصر بن كاكا المرندي الفقيه حدثني أبو القسم بن منصور بن رامس على ذكر أبي محمد الجويني قال من ألطف أخلاقه وأحسنها إنه رجل ركين الجملة وافر العقل جاد في أمره كله لا ترى فيه شيئا من الرعونة لمساواة ظاهره باطنه وموافقة سره علانيته وزهده في الرياسة التي صارت تطلبه وهو يهرب منها وترغب فيه وهو يبعد عنها ..))اهـ. وقد ترجم له الإمام تاج الدين السبكي في طبقات الشافعية وغيره، فمن شاء فليراجع ترجمته.
وليس في كلام كل من ترجم له وذكره من أهل العلم والتأريخ أن الشيخ الجويني رجع عن عقيدة أهل الحق إلى الحشو، وليس في شيء من ذلك أنه ألف ما زوروه عليه في تلك الرسالة المكذوبة، ولو كان الجويني عاد حشويا لوجدنا لذلك ذكرا في بطون الكتب ولرد عليه أهل الحق وبينوا خطأه، ولاهتم بأمر حشويته من كان يسعده ذلك من أهل الحشو، ولوجدنا نصوصا من رسالته هذه في مصنفات مثل ابن تيمية أو ابن قيم الجوزية أو الذهبي ونحوهم، ولكن لا شيء من ذلك ألبتة في الكتب والمصنفات، فكيف غفل كل هؤلاء عن ذلك؟ لا جواب على هذا إلا أن الرسالة المدعاة مزورة عليه مكذوبة وسيأتي التفصيل
ثانيا : ما عرف عنه من حسن العقيدة:
للإمام الجويني مصنفات ذكر فيها عقيدته نقل منها الناس، آخرها عقيدة أصحاب الشافعي نقل منها الحافظ ابن عساكر في التبيين فقال:
((وذكر الشيخ الإمام ركن الدين أبو محمد عبد الله بن يوسف الجويني رحمه الله في آخر كتاب صنفه وسماه عقيدة أصحاب الإمام المطلبي الشافعي رحمه الله وكافة أهل السنة والجماعة وقال ونعتقد أن المصيب من المجتهدين في الأصول والفروع واحد ويجب التعيين في الأصول فاما الفروع فربما يتأتى التعيين وربما لا يتأتى ومذهب الشيخ أبي الحسن رحمه الله تصويب المجتهدين في الفروع وليس ذلك مذهب الشافعي رضي الله عنه وأبو الحسن أحد أصحاب الشافعي رضي الله عنهم فإذا خالفه في شيء أعرضنا عنه فيه ومن هذا القبيل قوله أن لا صيغة للأمر وتقل وتعز مخالفته أصول الشافعي رضي الله عنه ونصوصه وربما نسب المبتدعون إليه إنه يقول ليس في المصحف قرآن ولا في القبر نبي وكذلك الاستثناء في الإيمان ونفي قدرة الخلق في الأزل وتكفير العوام وإيجاب علم الدليل عليهم وقد تصفحت ما تصفحت من كتبه وتأملت نصوصه في هذه المسائل فوجدتها كلها خلاف ما نسب إليه ولا عجب أن إعترضوا عليه واخترصوا فإنه رحمه الله فاضح القدرية وعامة المبتدعة وكاشف عوراتهم ولا خير فيمن لا يعرف حاسده ))اهـ.
كما أن الجويني أحد الموقعين على تزكية الإمام أبي الحسن الأشعري في جملة من علماء الأشاعرة، وكان كاتب الورقة التي وقعوها الإمام أبو القاسم القشيري الأشعري الكبير ونصها:
((بسم الله الرحمن الرحيم اتفق أصحاب الحديث أن أبا الحسن علي بن إسماعيل الأشعري رضي الله عنه كان إماما من أئمة أصحاب الحديث ومذهبه مذهب أصحاب الحديث تكلم في أصول الديانات على طريقة أهل السنة ورد على المخالفين من أهل الزيغ والبدعة وكان على المعتزلة والروافض والمبتدعين من أهل القبلة والخارجين من الملة سيفا مسلولا ومن طعن فيه أو قدح أو لعنه أو سبه فقد بسط لسان السوء في جميع أهل السنة. بذلنا خطوطنا طائعين بذلك في هذا الذكر في ذي القعدة سنة ست وثلاثين وأربعمائة والأمر على هذه الجملة المذكورة في هذا الذكر وكتبه عبد الكريم بن هوازن القشيري وفيه بخط أبي عبد الله الخبازي المقري كذلك يعرفه محمد بن علي الجنازي وهذا خطه وبخط الإمام أبي محمد الجويني الأمر على هذه الجملة ..))اهـ. وهذا المكتوب الذي ترى فيه توقيع الإمام الجويني كان سنة 436هـ أي قبيل وفاة الإمام بمدة قصيرة.
ومن مؤلفاته المطبوعة كتاب (التبصرة) وفيه الكلام الحسن الجميل من تقرير عقيدة أهل السنة والجماعة، وإليك شيئا منه ص183:
((باب الإيمان: ( أن يعتقد حدوث العالم وقدم محدثة وأنه ليس كمثله شيء وتحقيقه أنه لا يتصور في الوهم وما دونه يقبل هذه الصفة والنهاية منفية عنه وليس بجوهر ولا جسم ولا عرض وانتفت عنه الكيفية والكمية والأينية واللمية وأنه حي قادر مريد سميع بصير متكلم له حياة وقدرة وعلم وإرادة وسمع وبصر وكلام لم يزل ولا يزال بهذه الصفات لا يشبه شيء منها شيئا من المخلوقات… وأنه قائم بنفسه مستغن عن مكان يقله وعن جسم يحله ليس له تحت فيكون تحته ما يسنده ولا فوق فيكون فوقه ما يمسكه ولا جانب يعضده أو يزاحمه ثم الاعتقاد بجواز الرؤية مع نفي الأوصاف المحدثة عنه …. فإن استمرت هذه العقيدة على هذه الشرائط واستقرت عليها بحيث لا يتشكك بالتشكيك ولا يرتاب بجدال أهل الإلحاد فقد سبق إليه الإيمان بحذافيره ….. وربما يتلو بآية أو يقرع سمعك خبر فيستولي على خاطرك عدوك كمثل آيات الصفات والاستواء على العرش واليد والعين وحديث النزول وما أشبه ذلك فمتى أشكل عليك لفظ شرعي في صفات الذات فاصرف ذلك اللفظ إلى الفعل مثاله قوله تعالى وهو معكم الآية وقوله { وما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم } وقوله { ونحن أقرب إليه من حبل الوريد } يحتمل والله أعلم من حيث العلم لا من حيث الذات ومن أثبت له مكانا مخصوصاً أو جعل العرش له قراراً قيل له كيف يكون العرش له قرار من حيث المكان وهو على العرش يعلم ما على الأرض (أينما كنتم) و ( أقرب إليكم من حبل الوريد ( فإن استعمل بأن يحمل قوله { وهو معكم } على صفات الفعل فكذلك يحمل الاستواء والنزول على صفات الفعل وإن اختير الإعراض عن تأويل قوله تعالى { وهو معكم } فليعرض عن تأويل الاستواء وحديث النزول ونظائرهما فإن من السلف الصالحين من اختار في هذه الظواهر ترك الكلام عليها مع الايمان بها وذلك طريقة حسنة ..)) اهـ ومن ينطق بهذا الكلام كيف يتصور أنه حشوي؟
وكان رحمه الله حسن الاعتقاد في علم الكلام، قال الحافظ ابن عساكر في التبيين:
((أخبرنا الشيخ أبو القسم عبد الرحمن بن الحسن بن أحمد الجرجاني الصوفي المعروف بالشعر بنيسابور قال سمعت أبا الحسن علي بن أحمد المديني يقول سمعت الإمام أبا محمد عبدالله بن يوسف الجويني يقول رأيت إبراهيم الخليل عليه السلام في المنام فأهويت لأن أقبل رجليه فمنعني من ذلك تكرما لي فاستدبرت فقبلت عقبيه فأولت الرفعة والبركة تبقى في عقبي ثم قلت يا خليل الله ما تقول في علم الكلام فقال يدفع به الشبه والأباطيل))اهـ.
وهذه العبارات من الإمام كافية جدا لبيان ما كان عليه من حسن الاعتقاد وجميل المذهب.

ثالثا: من هو الواسطي الحزامي؟ وما علاقته بالرسالة المزورة؟

هو شيخ من أهل القرن الثامن الهجري ذكره الحافظ في الدرر الكامنة فقال:

((أحمد بن إبراهيم بن عبد الرحمن عماد الدين ابن الشيخ أبي إسحاق شيخ الحزامية الواسطي ثم الدمشقي الصوفي ولد سنة 657 وتفقه على مذهب الشافعي وتعبد وانقطع وكان يرتزق من النسخ وخطه حسن جداً وله اختصار دلائل النبوة وتسلك به جماعة وكان يحط على الاتحادية قال الذهبي تفقه وكتب المنسوب وتزهد وتجرد وتعبد وصنف في السلوك وشرح منازل السائرين وكان منقبضاً عن الناس حافظاً لوقته لا يحب الخوانك تسلك به جماعة وكان ذا ورع وإخلاص وله نظم حسن مات في شهر ربيع الآخر سنة 711))اهـ.
هذا كل ما ذكره الحافظ، وهي ترجمة ناقصة جدا، وستجد ترجمة هذا الرجل في عدة كتب أخرى كالعبر وشذرات الذهب والصافي وغيرها ولكن أوسعها ذيل طبقات الحنابلة لابن رجب، فمن راجع ترجمته عند ابن رجب عرف أن الرجل كان ابن شيخ الرفاعية الأحمدية أصحاب سيدي أحمد الرفاعي وأنه نشأ صوفيا وتفقه على المذهب الشافعي، ثم رحل رحلات التقى خلالها بطوائف كثيرة منها أصحاب الطريقة الشاذلية فتأثر بهم وانتقل شاذليا، ثم قدر الله له لقاء ابن تيمية وأصحابه فأثر به، ومن نتائج هذا التأثر التي لم يتطرق لها الحافظ ابن حجر وعدد غيره أن الواسطي ترك المذهب الشافعي وتحنبل! ومن آثار ذلك أيضا أنه ترك ما كان سالكا به من الطرق الصوفية، وبسبب هذه التطورات التي مر بها الواسطي لم يترجمه الشافعية في طبقاتهم، ولكن ترجمه الحنابلة في طبقاتهم، فإذا عرفت هذا لم يصعب عليك تصور ما انتهى إليه الواسطي المذكور في باب العقائد خاصة وأنه ـ كما ذكروا عنه ـ كان مجانبا للعلوم العقلية عريا منها، وهذا من شأنه أن يؤثر سلبا على تفكير هذا الشيخ، وإليك هذه القطعة من كلام ابن رجب الحنبلي قال:
((ثم قدم دمشق، فرأى الشيخ تقي الدين ابن تيمية وصاحبه، فدله على مطالعة السيرة النبوية، فأقبل على سيرة ابن إسحاق تهذيب ابن هشام، فلخصها واختصرها، وأقبل على مطالعة كتب الحديث والسنة والآثار، وتخلى من جميع طرائقه وأحواله، وأذواقه وسلوكه، واقتفى آثار الرسول صلى الله عليه وسلم وهديه، وطرائقه المأثورة عنه في كتب السنن والآثار، واعتنى بأمر السنة أصولاً وفروعاً، وشرع في الرد على طوائف المبتدعة الذين خالطهم وعرفهم من الاتحادية وغيرهم، وبين عوراتهم، وكشف أستارهم، وانتقل إلى مذهب الإمام أحمد. وبلغني: أنه كان يقرأ في  » الكافي  » على الشيخ مجد الدين الحراني الآتي ذكره إن شاء الله تعالى..))اهـ
ولاحظ هذا أيضا من ترجمة ابن رجب له:
((وكان داعية إلى السنة، ومذهب السلف الصالح في الصفات، يُمِرها كما جاءت))اهـ.
ومما وقفت عليه أبيات رواها عنه الذهبي في معجم شيوخه منها:

واقصد إلى السنة الغراء تفهمها فضح تزوير: (رسالة الاستواء والفوقية) على الإمام أبي محمد الجويني وبيان براءته منها  space

فهم الخصوص فتعلو في مبانيها space

وداوم الذكر بعد العقد من سنن space

عقد ابن حنبل للأمراض يشفيها space

 

إذا عرفت هذا كله سهل عليك أن تعرف أن رجلا كالواسطي الشافعي ثم الحنبلي والرفاعي ثم الشاذلي ثم التيمي لا يستبعد عليه أن يكتب رسالة في العقائد تكون مضطربة العبارة ملونة في مضامينها متخبطة يظهر على صاحبها الحيرة ويحار من يقرؤها أحشوي صاحبها أم لا؟؟ فالظاهر أن هذا الواسطي ألف رسالة في العقائد في مسألة الاستواء والفوقية والحرف والصوت وبقيت هذه الرسالة تتناقل عند الحنابلة ولا تظهر ولا تشتهر.
رابعا : السفاريني الحنبلي ينقل من رسالة الواسطي:
قال السفاريني الحنبلي المتوفى سنة 1188هـ في كتابه ((لوامع الأنوار البهية..))1/210:
((ذكر الإمام أبو العباس عماد الدين أحمد بن إبراهيم الواسطي الصوفي المحقق العارف تلميذ شيخ الإسلام بن تيمية قدس الله سرهما الذي قال فيه شيخ الإسلام إنه جنيد زمانه في رسالته: (نصيحة الإخوان) ما حاصله في مسألة العلو والفوقية والاستواء هو أن الله عز وجل:
(( كان ولا مكان ولا عرش ولا ماء ولا فضاء ولا هواء ولا خلاء ولا ملأ وأنه كان منفردا في قدمه وأزليته متوحدا في فردانيته لا يوصف بأنه فوق كذا .. )) اهـ .
وساق السفاريني قطعة من هذه الرسالة، وأنت ترى هنا نص أولها، ولا شك أن السفاريني اطلع على مخطوطتها أو نقل ممن تقدمه من الحنابلة ..
والحاصل أن هذه الرسالة والتي سماها السفاريني كما رأيت بـ(نصيحة الإخوان) بقيت غير مشهورة حتى ظهرت مطبوعة أول مرة في سنة 1316هـ حيث طبع في الهند مجموع بعنوان (أربح البضاعة) يشتمل على رسائل في العقيدة، وهذا المجموع من ترتيب علي بن سليمان بن حلوة آل يوسف التميمي البغدادي، وهو من تلامذة محمود شكري الآلوسي، وتوجد من بين رسائل هذا المجموع رسالة بعنوان (عقيدة الواسطي) اشتملت على النصيحة التي ذكرها السفاريني وعزاها للواسطي.

خامسا: الرسالة الواسطية تنسب زورا للجويني:
عثر بعضهم في رواق الشوام بالأزهر على مخطوط حديث الخط كتب عليه ما تراه بالصورة:

331

فإذا أمعنت النظر في هذا الكلام تبين لك أن الناسخ للمخطوط قد خلط بين الإمام أبي المعالي عبدالملك الجويني وبين أبيه أبي محمد !! فتراه أولا يقول: (أبي المعالي) وهذه كنية إمام الحرمين ولكنه قال على إثراها: (عبدالله بن يوسف الجويني) وهذا اسم الأب أبي محمد! ثم تراه قال: (قرأ الأصول على والده ..) وهذه صفة إمام الحرمين ! ثم نقل كلاما هو من صفة أبي محمد الجويني .. وهذا كله دال على أن الناسخ متخبط في ترجمة المؤلف ! فلما عثر بعضهم على هذه الرسالة قام بطبعها على أنها لأبي محمد الجويني اغترارا بما كتبه الناسخ دون تحرير أو تدقيق وهذا ما فعلته المطبعة المنيرية ..
ففي سنة 1343هـ طبعت المطبعة (المنيرية) لصاحبها محمد منير الدمشقي مجموعا جديدا يضم رسائل كثيرة، وعرف هذا المجموع بـ(الرسائل المنيرية)، ومن بين هذه الرسائل توجد رسالة بعنوان: (رسالة في الاستواء والفوقية) منسوبة للإمام أبي محمد الجويني والد إمام الحرمين! عثر على مخطوطتها في رواق الشوام بالأزهر الشريف بالقاهرة، وهي التي تقدمت صورة منها، ففي هذا التاريخ وهو 1343هـ نسبت رسالة الواسطي لأول مرة إلى الإمام أبي محمد الجويني! ولكنك إذا نظرت إلى نص هذه الطبعة وقارنته بنص (نصيحة الإخوان) التي نقلها السفاريني وقارنته أيضا بـ(عقيدة الواسطي) المطبوعة ضمن مجموع (أربح البضاعة) تبين لك أن النص واحد، والمؤلف يجب أن يكون واحدا.
وفي سنة 1374هـ أعاد زهير الشاويش طباعة (عقيدة الواسطي) سابقة الذكر بعد أن أفردها من المجموع السابق: (أربح البضاعة)، لكنه أعطاها اسما جديدا هذه المرة، فسماها (النصيحة)، وقد أبدى الشاويش سبب ذلك حينما قال :
((وقد رأيت أن المؤلف سماها النصيحة في الصفحة8 فطبعتها بهذا الاسم))اهـ.
وقد سبقه إلى تسميتها بهذا السفاريني الحنبلي كما تقدم، وكانت هذه الطبعة على نفقة الشيخ علي آل ثاني، فبان أن هذه الطبعة باسم (النصيحة) إنما هي إعادة لتلك التي ضمن مجموع (أربح البضاعة) والتي كانت باسم (عقيدة الواسطي).
وفي سنة 1383هـ أعاد زهير الشاويش طباعة مجموع (أربح البضاعة) برمته الذي فيه (عقيدة الواسطي).
سادسا: الشيخ زهير يحار بين الطبعتين ليصل إلى نتيجة خاطئة:
اطلع الشيخ زهير الشاويش على الطبعات المذكورة، وشاهد أن النصيحة نسبت أول مرة إلى الواسطي ثم عزيت في المنيرية إلى الجويني، فتحير الرجل ماذا يصنع؟ فهداه تفكيره إلى أن الأحق بهذه الرسالة هو الجويني لأنه أقدم وفاة ويكون الواسطي قد اقتبسها منه!!
فأعاد المكتب الإسلامي لزهير الشاويش طباعة (النصيحة) مفردة مرارا، والتي هي بعينها (عقيدة الواسطي)، وفي يدي الآن منها الطبعة الرابعة سنة 1405هـ ولكن الشاويش كتب عليها العنوان التالي: (النصيحة في صفات الرب جل وعلا وتتضمن عقيدة الإمام عبدالله بن يوسف الجويني المتوفى سنة 438هـ للعلامة الشيخ أحمد بن إبراهيم الواسطي الشافعي الصوفي المعروف بابن شيخ الحزاميين المتوفى سنة 711، تحقيق زهير الشاويش)اهـ!

332

وهنا نلاحظ أن الشاويش أضاف تعديلا جديدا على عنوان عقيدة الواسطي، فبعد أن كان عدل الاسم إلى (النصيحة) أضاف هنا مجددا أن هذه النصيحة التي ألفها الواسطي قد ضمنها الواسطي عقيدة الإمام أبي محمد الجويني!
إذن فزهير الشاويش يرى ـ كما يتضح من الإضافة الجديدة على العنوان ـ أن الواسطي الذي هو صاحب الرسالة والمؤلف الأصلي قد اقتبس نصوص عقيدة الجويني في ضمن عقيدته، لكن الشاويش يرجع فيتناقض ليجعل الواسطي ناقلا لأكثر رسالته ـ لا كلها ـ من كلام الجويني ! كما ذكر ذلك في تعليقه على (الرد الوافر) ص129 ثم يأتي ليتناقض ثالثة فيدعي أن الجويني أولى بنسبة الرسالة إليه! قال زهير الشاويش في تعليقه على (مختصر العلو) للألباني ط2ـ ص26:
(( لقد نقل الشيخ أحمد بن إبراهيم الواسطي في عقيدته (النصيحة في صفات الرب جل وعلا) رسالة الجويني، حتى إن نسبتها للجويني كان الأولى، وقد استدركت ذلك في الطبعة الثانية))اهـ!
وأنت ترى أنه لم يستدرك النسبة ـ في طبعته للنصيحة ـ بل أضاف فقط للعنوان إضافة توحي بأن الواسطي اقتبس عقيدة الجويني في رسالته! وإذا نظر القارئ الكريم في الطبعتين وقارن بين النصين تبين له أن ما أضافه زهير الشاويش من التعديل لا يتفق مع الواقع، لأن الواقع أن الرسالتين متطابقتان تماما ولا مجال للقول بأن الواسطي اقتبس من الجويني، فالرسالتان نصهما واحد! ويجب هنا أن نفرق بين الاقتباس والتضمين وبين السرقة، فإذا كان الواسطي ينقل كلام الجويني لا زاد عليه ولا أنقص منه ولا شرحه ولا قام بشيء سوى النقل ولم يعز نقله هذا إلى الجويني فإن هذا العمل لا يسمى تضمينا ولا اقتباسا بل سرقة مكشوفة، ولكن الواقع أن الواسطي لم يقتبس ولم يضمن بل هو المؤلف وأما الجويني فلا علاقة له بهذه الرسالة أبدا، وهذا ما لم يهتد إليه الشاويش أو كبر عليه ذلك لما يترتب عليه من الحرج الشديد بعد أن تسببوا في اشهار الرسالة على أنها للجويني في الطبعة المنيرية.

سابعا: تأثير الطبعة المنيرية على باقي الطبعات:
في سنة 1416هـ طبعت هذه الرسالة من جديد في دمشق ـ توزيع دار المعرفة ـ بعنوان: (رسالة في الاستواء والفوقية) منسوبة إلى أبي محمد الجويني، وقام بتقديمها والتعليق عليها عبدالمنعم سعيد الطباع، وهذه الطبعة هي إعادة للطبعة المنيرية فحسب كما قال مقدمها.

333


وفي سنة 1419هـ تظهر طبعة جديدة من الرسالة عن دار طويق بالرياض بعنوان: (رسالة في إثبات الاستواء والفوقية ومسألة الحرف والصوت في القرآن المجيد وتنزيه الباري عن الحصر والتمثيل والكيفية) منسوبة أيضا لأبي محمد الجويني، بتحقيق الدكتور أحمد معاذ بن علوان حقي الأستاذ المساعد بكلية التربية، ويعتمد هذا الدكتور في تحقيقه على الطبعة المنيرية، بالإضافة إلى مصورة في مكتبة جامعة محمد بن سعود برقم (1613/ف) عن نسخة خطية بليدن بهولندا برقم (2951).

— اضغط هنا لمشاهدة الصورة بحجمها الطبيعي —
334


لقد أثبت الدكتور علوان في تحقيه صورة الصفحة الأولى والأخيرة من نسخة ليدن التي اعتمد عليها إلى جانب الطبعة المنيرية، وقد لاحظت في الصفحتين المذكورتين ما يحسن ذكره لتتضح الصورة أكثر:

335 

[الأمر الأول]: جاء في هامش الصفحة الأولى من مخطوط ليدن بخط مغاير ما نصه : ((رسالة في إثبات الاستواء لإمام الحرمين))! وهذه قرينة جديدة تؤكد التخبط في محاولة اكتشاف المؤلف إذ اعتقد صاحب هذا التعليق أن المؤلف هو أبو المعالي الجويني وليس أبو محمد الجويني ولعله اغتر بالترجمة المتخبطة المذكورة في آخر المخطوط.
[الأمر الثاني]: اشتمل مخطوط ليدن على نفس الترجمة المخلوطة والمتخبطة التي اشتمل عليها مخطوط رواق الشوام، ولما كان الناسخ ضعيف العلم جاءت ترجمته للمؤلف بالصورة المتخبطة السابقة، وهذا يدلك على أن أصل المخطوطين واحد، وهذه الترجمة دفعت بعضهم إلى التعليق بأن مؤلف الرسالة هو إمام الحرمين الجويني، وأرجح أن مخطوط رواق الشوام هو الأصل الذي انتسخ منه مخطوط ليدن لأن مخطوط ليدن كتب بخط حديث.
والظاهر أن إحدى هاتين النسختين هي التي اطلع عليها المؤرخ الزركلي حينما قال في ترجمة أبي محمد الجويني من كتابه ((الأعلام))4/146ـ147:
((وله رسائل، منها (إثبات الاستواء ـ ط) رأيت في ظاهر أصلها المخطوط ما نصه: ( قال شيخ الإسلام الصابوني: لو كان الجويني في بني إسرائيل لنقلت لنا أوصافه وافتخروا به))اهـ .
ولقد جاءت كل الطبعات التي وقفت عليها بعد ذلك متأثرة بالطبعة المنيرية.

ثامنا: نص الرسالة يدل على براءة الإمام الجويني منه:
لقد غفل أكثر الباحثين عن دراسة النص للتأكد من صحة نسبته للجويني واكتفوا بما حملته النسخة الخطية على ما فيها من بلاء وأخطاء، وقد رأيت في نص الرسالة سواء التي عزيت للواسطي أو الجويني وفي النسختين الخطيتين ما يدل دلالة واضحة على براءة الإمام الجويني منه وأن مؤلف هذه الرسالة يجب أن يكون ممن عاش بعد القرن السابع الهجري، وإليك الدليل:

قال مؤلف الرسالة المذكورة

((قال الإمام الحافظ عبدالغني في عقيدته لما ذكر حديث الأوعال قال: ( رواه أبو داود و الترمذي و ابن ماجه ، وقال : حديث الروح رواه أحمد و الدارقطني ))اهـ.
هذا النص موجود في الرسالة التي زعموا أنها للجويني! فماذا يعني وجود هذا النص؟
يعني أن مؤلف الرسالة ينقل عن كتاب في العقيدة، ومؤلف هذا الكتاب في العقيدة اسمه عبدالغني، ولقبه بالإمام الحافظ، وهذا الحافظ قد خرج في كتابه في العقيدة هذا حديث الأوعال وقال عنه: (رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه) وخرج أيضا حديث الروح وقال عنه : (رواه أحمد والدارقطني).
هذا ما يتضح من خلال هذا النص، وإليك تحليلنا لهذا النص نقطة نقطة :
إن الحافظ عبدالغني المذكور في هذا النص لا يخلو من أن يكون
1 ـ عبد الغني المقدسي الحنبلي المتوفى سنة 600هـ والمتهم بالحشو، أو يكون الحافظ:
2 ـ عبدالغني بن سعيد الأزدي المتوفى سنة 409هـ .
هذا شيء لم يلتفت إليه أحد، ولقد اضطر الدكتور علوان محقق رسالة الإستواء المزورة على الإمام الجويني المتوفى سنة 438هـ إلى تصور عبدالغني المذكور في الرسالة المزورة هو الأزدي المتوفى سنة 409هـ! والذي اضطره لهذا التصور اعتقاده أن الجويني هو مؤلف رسالة الاستواء فمن المنطقي أن ينقل الجويني عمن سبقه لا عمن جاء بعده، والذي سبقه هو عبدالغني الأزدي المتوفى 409هـ.
ولكن هناك حقائق كثيرة توجب اعتبار عبدالغني الذي في الرسالة هو المقدسي المتوفى سنة 600هـ لا الأزدي، وإليك هذه الحقائق:
الحقيقة الأولى :
أن الذي له كتاب في العقيدة هو الحافظ عبدالغني المقدسي المتوفى سنة 600هـ ، وكتابه هذا مشهور ومطبوع، تحت إشراف الرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد ـ الإدارة العامة للطبع والترجمة، وهذه هي الطبعة الأولى سنة 1411هـ بعنوان (عقيدة الحافظ تقي الدين عبدالغني بن عبدالواحد المقدسي ت600هـ ) وقد قام بتحقيقها وتخريج أحاديثها عبدالله بن محمد البصيري المحاضر بكلية الدعوة بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة.

336
في حين أن الحافظ عبدالغني الأزدي المتوفى 409هـ ليس له أي كتاب في العقيدة، وليست اهتماماته بهذا الجانب بخلاف المقدسي، خصوصا وأن الأزدي كان في دولة العبيديين الغلاة في مصر، وكان رحمه الله يصانعهم ويداهنهم خوفا على نفسه فلم يكن طرق هذا الباب من شأنه، وبالتالي نقترب ـ بهذه الحقيقة ـ من تصور عبدالغني المذكور في الرسالة المزورة على أنه المقدسي الذي توفي سنة 600هـ ذي النشاط في هذا الباب لا الأزدي.
الحقيقة الثانية :
أن عبدالغني المقدسي المتوفى سنة 600هـ قد خرج في عقيدته ـ المطبوعة هذه ـ الحديثين المذكورين في النص المزور أعلاه، وهما حديث الأوعال ـ ونصه معروف ـ وحديث الروح.
أما حديث الأوعال فقد خرجه ص42 فقال بعده: (( رواه أبوداود والترمذي وابن ماجه القزويني )) اهـ . تماما كما في نص الرسالة المزورة.
وأما حديث الروح فقد خرجه المقدسي في عقيدته هكذا ص45 :
(( وفي حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر المؤمن عند موته وأنه يعرج بروحه حتى ينتهى بها إلى السماء التي فيها الله . رواه الإمام أحمد والدارقطني وغيرهما )) اهـ . تاما كما في نص الرسالة المزورة.

فها هو عبدالغني المقدسي المذكور في الرسالة المزورة قد ألف كتابا في العقيدة ضمنه أخبارا منها هذان الحديثان وقد خرجهما كما رأيت تماما كما نقل مؤلف الرسالة عنه فثبت أنه المقدسي الحنبلي المتوفى سنة 600هـ وثبت بالتالي أن مؤلف الرسالة مات بعده فهو الواسطي.
الحقيقة الثالثة :
نلاحظ أن مؤلف الرسالة يلقب عبدالغني هذا بـ( الإمام الحافظ )! فلو فرضنا أن مؤلف الرسالة هو أبو محمد الجويني المتوفى سنة 438هـ وأن عبدالغني المذكور هو الأزدي المتوفى سنة 409هـ كما يتصوره المحقق، لو فرضنا هذا فإن هذا يعني أن عبدالغني الأزدي المصري قد طار صيته في مدة قصيرة خرافية حتى جاوز مصر والمشرق الأوسط ليصل إلى بلاد فارس ونيسابور وصار مشهورا معروفا بينهم إلى درجة أن يلقبه الجويني بـ( الإمام الحافظ ) وكل هذه الشهرة حدثت في عصر عبدالغني نفسه لأن المدة بين وفاة عبدالغني الأزدي ووفاة الجويني 28 سنة فقط ! وهذا أمر بعيد، والدليل على بعده أنه لا توجد لأهل نيسابور مرويات من طريق الحافظ عبدالغني الأزدي تدل على معرفتهم به، بل وليست للجويني عناية بكتب الحديث بالإضافة إلى أن لقب الإمامة في عصر الجويني يتطلب التفنن في العلوم والحافظ عبدالغني الأزدي المصري كان محدثا فقط ومن هذا شأنه يصعب تصور تلقيبه بالإمامة، وأما المتأخرون فقد كثر ذلك فيهم بإسراف، فجائز أن يكون ذلك الوصف صادر من الواسطي المتحنبل للمقدسي الحنبلي.
الحقيقة الرابعة:
أننا نلاحظ أن عبدالغني المنقول عنه في الرسالة المزورة يعزو الحديث إلى (الدارقطني) ! والمعهود في عزو الأحاديث أن المحدثين إنما يعزون الحديث إلى الأئمة المتقدمين عليهم بدهر، لا أن يعزو أحدهم إلى كتاب ألفه معاصره أو صاحب له وإن كان في طبقة شيوخه، فلا يجوز أن يكون عبدالغني هنا هو الأزدي، فالإمام أبو الحسن علي بن عمر الدارقطني المتوفى سنة 385هـ وعبدالغني بن سعيد الأزدي المتوفى 409هـ متعاصران من طبقة واحدة.
قال الذهبي في سير أعلام النبلاء:
((قال البرقاني: سألت الدارقطني لما قدم من مصر: هل رأيت في طريقك من يفهم شيئا من العلم؟ قال: ما رأيت في طول طريقي إلا شابا بمصر يقال له: عبد الغني، كأنه شعلة نار. وجعل يفخم أمره، ويرفع ذكره.
وقال أبو الفتح منصور بن علي الطرسوسي: أراد أبو الحسن الدارقطني الخروج من عندنا من مصر، فخرجنا معه نودعه، فلما ودعناه بكينا، فقال لنا: تبكون وعندكم عبد الغني بن سعيد، وفيه الخلف ..
وقال محمد بن علي الصوري: قال لي الحافظ عبد الغني: ابتدأت بعمل كتاب  » المؤتلف والمختلف « ، فقدم علينا الدارقطني، فأخذت عنه أشياء كثيرة منه، فلما فرغت من تصنيفه، سألني أن أقرأه عليه ليسمعه مني، فقلت: عنك أخذت أكثره.
قال: لا تقل هكذا، فإنك أخذته عني مفرقا، وقد أوردته فيه مجموعا، وفيه أشياء كثيرة أخذتها عن شيوخك. قال: فقرأته عليه))اهـ.
وقد قال الحافظ عبدالغني الأزدي نفسه في كتابه المؤتلف والمختلف ص93: ((مولى الوزير أبي الفضل جعفر بن الفضل سمع من سليمان بن داود البزاز وغيره، سمعنا منه مع أبي الحسن علي بن عمر ..))اهـ.
فمنذ متى عهد أهل الحديث والمشتغلون بهذا الفن أن يقوم إمام في الحديث بتخريج حديث من كتاب صاحبه؟ بل ودون أن يذكر اسم الكتاب الذي رواه فيه أصلا؟ فهذه قرينة أخرى قوية على أن عبدالغني في الرسالة المزورة إنما هو المقدسي المتأخر لا الأزدي المتقدم.
الحقيقة الخامسة:
أننا نرى أن عبدالغني المنقول عنه في الرسالة المزورة يعزو الحديث إلى (أبي داود والترمذي وابن ماجه) وهذه قرينة قوية أخرى لأن سنن ابن ماجه لم يكن من كتب التخريج قبل الحافظ محمد بن طاهر المقدسي المتوفى سنة 507هـ ، وأول من ضم كتاب ابن ماجه إلى كتب الأئمة الخمسة ـ البخاري ومسلم وأبي داود والترمذي والنسائي ـ في التخريج هو محمد بن طاهر هذا، وقد علمت متى توفي الرجل، قال الحافظ ابن حجر في (النكت على كتاب ابن الصلاح) 487:
((وحكى ابن عساكر أن أول من أضاف كتاب ابن ماجه إلى الأصول أبو الفضل ابن طاهر. وهو كما قال، فإنه عمل أطرافه معها وصنف جزءا آخر في شروط الأئمة الستة فعده معهم، ثم عمل الحافظ عبدالغني كتاب الكمال في أسماء الرجال الذي هذبه الحافظ أبو الحجاج المزي فذكره فيهم))اهـ.
قال الإمام الكوثري في مقدمة (شروط الأئمة الستة) ص7:
((وأول من أدخل كتاب السنن له في عداد الأصول الستة هو الحافظ أبو الفضل بن طاهر، فتتابع أكثر الحفاظ على ذلك في كتبهم في الرجال والأطراف ..))اهـ.
وأخبرني شيخنا العلامة محمد عبدالرشيد النعماني رحمه الله إجازة في كتابه: (ما تمس إليه الحاجة لمن يطالع سنن ابن ماجه) قال:
((وعلى هذا: فوقعت الإضافة إلى الخمسة في أول المائة السادسة، ولا يؤثر في ذلك عن القدماء شيء))اهـ.
وهذه المسألة من المسائل المشهورة بين أهل العلم بهذا الفن قديما وحديثا .. فإذا تقرر ذلك وعلمت أن الحافظ عبد الغني المذكور في الرسالة المزورة قد ذكر ابن ماجه مع أبي داود والترمذي في تخريجه تبين لك أن عبد الغني هذا هو المقدسي الحنبلي مؤلف (الكمال) المتوفى سنة 600هـ والمقتدي بابن طاهر المتوفى سنة 507هـ في ضم ابن ماجه إلى الخمسة، لا عبدالغني الأزدي المتوفى سنة 409هـ قبل نشوء هذا الاصطلاح، وكما حصل العزو في الرسالة المزورة إلى سنن ابن ماجه فقد حصل العزو إلى موطأ مالك وهذه المسألة كسابقتها فإن أول من أضاف الموطأ إلى الخمسة رزين بن معاوية السرقسطي المالكي المتوفى سنة 525هـ في كتابة (التجريد للصحاح والسنن)، فكيف إذا رأيت عزو صاحب الرسالة المزورة إلى الدارقطني المتأخر عن ابن ماجه بمائة عام؟!! وقد تصفحت ما عندي من كتب الحافظ عبدالغني الأزدي المصري فلم أره عزا حديثا واحدا إلى ابن ماجه، بل لا يعزو الأحاديث إلا نادرا فإن فعل فإلى البخاري أو مسلم أو النسائي، ومن الجدير بالذكر أن رواية سنن ابن ماجه لم تقع لحفاظ كبار من أصحاب الجويني كالإمام البيهقي فمن أين للجويني؟

وبهذا الذي قدمناه يتبين للقارئ المنصف أن هذه الرسالة في الاستواء والفوقية ألفها إنسان عاش بعد سنة 600هـ التي هي سنة وفاة عبدالغني المقدسي الحنبلي، وهذه الصفة لائقة بالواسطي الحزامي، ولا دخل للإمام أبي محمد الجويني بها.
تاسعا: من أين جاء كل هذا الخبط؟
فإن سأل سائل عن منشأ هذا الخبط كله، فجوابنا أن الذي نظنه والله أعلم أن الناسخ لما وقف على النصيحة المذكورة ولم يجد اسما مدونا عليها أو وجده ولكن كان مطموسا أو مشوشا ولم يقف على أصل صحيح دون عليه اسم مؤلفه، نظر فيها ورأى أن مؤلفها قد أخبر عن نفسه أنه قد حصلت له حيرة في مسائل من أبواب العقائد كالصفات والجهة .. وكان شيء من ذلك قد نقل في بطون الكتب عن إمام الحرمين أبي المعالي وتناقله الإخباريون توهم الناسخ باجتهاده أنها له، فترجم له ترجمة خلط فيها بينه وبين أبيه أبي محمد، ثم جاءت الطبعة المنيرية التي تبنت المخطوط على علاته منتهين إلى نسبته إلى الجويني الكبير! فكانت النتيجة تزويرا فاحشا على إمام جليل استغله أهل الحشو لدعاواهم الساقطة.
عاشرا: آثار نسبة هذه الرسالة المزورة إلى الإمام الجويني:
إن هذه الرسالة المزورة على الإمام أبي محمد قد أخذت الآن موقعا من المكتبة الإسلامية، وباتت نسبتها إلى الإمام الجويني عند بعض المشتغلين بالعلم أمرا غير قابل للتردد والشك، لا سيما عند مبغضي أهل السنة والجماعة الشانئين لأئمة الدين الأشعريين، ومما يؤسف له أن اكتشاف هذا التزوير لم يكن بالأمر الصعب لو أن المخالفين أرادوا حقا اكتشافه ولكن حبهم لنسبتها للجويني ـ ليؤسسوا صحة مذهبهم برجوع أئمة أهل السنة إليه ـ حبهم لذلك أعماهم وأصمهم عن التحري والتدقيق ـ وحبك للشيء يعمي ويصم ـ فقد وقع في هذا الخطأ كثيرون منهم الألباني وزهير الشاويش وسفر الحوالي .. وخلف هؤلاء جيش كبير سيعلمون الآن ما جنوا، وقد بنوا على هذه الرسالة مدنا وقرى! وانتشرت هذه الرسالة في الشبكات العنكبوتية، والغريب ليس ما فعله هؤلاء من التساهل والتلاعب، وإنما الغريب أن يقلدهم وينخدع بهم في ذلك بعض أهل الحق! وكأن المسألة باتت مسلمة كما فعل الأستاذ الفاضل محمد عياش الكبيسي في رسالته: (الصفات الخبرية عند أهل السنة والجماعة) فلم تسلم رسائل الدكتوراه والماجستير من مثل هذا الظلم والجور، والمأمول ممن يقف على كلامنا ممن اغتروا بهذه الرسالة أن يتأكدوا من مقاصدهم ونواياهم ويصححوها ويصلحوها ثم لينظروا فيما سطرناه بعيدا عن التظني والتجني ثم ليحكموا، وبعد أن يكتشفوا أنه الحق فلا يتأهبوا للرد يمينا وشمالا بعيدا عن بيت القصيد وإلا فليلوذوا بالصمت وترك الإفصاح خشية الافتضاح، وأعترف أن من الصعب إقناع الحشوية ببراءة الإمام أبي محمد من هذه الرسالة وما فيها من مين، كصعوبة إقناع الرافضة ببراءة الشيخين وأمهات المؤمنين من الشين، وما أنت بهادي العمي عن ضلالتهم، والسلام.

منقول من منتدي روص الرياحين لشخنا الازهر

Par antiwahabite
Ecrire un commentaire 0 - Voir le commentaire - Voir les commentaires // - Recommander //

Mercredi 19 août 2009

تزوير الوهابية في كتاب فقيه حنبلي مناوئ لحركة ابن عبد الوهاب

الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله، وعلى آله وصحبه وبعد ..

الفقيه هو العلامة عثمان بن عبد الله بن جامع الحنبلي الزبيري النجدي ثم البحراني، قال عنه ابن حميد الحنبلي المتوفى 1295هـ في « السحب الوابلة على ضرائح الحنابلة » : ((الفقيه النبيه الورع الصالح، قرأ على شيخ وقته الشيخ محمد بن فيروز في الفقه وغيره فأدرك في الفقه إدراكا تاما، ثم طلبه أهل البحرين من شيخه المذكور ليكون قاضيا لهم ومفتيا ومدرسا فأرسله إليهم، فباشرها سنين عديدة بحسن السيرة والورع والعفة والديانة والصيانة، وأحبه عامتهم وخاصتهم وصنف (شرح أخصر المختصرات) شرحا مبسوطا نحو ستين كراسا جمع فيه جمعا غريبا، ولم يزل على حسن الاستقامة والإعزاز التام ونفوذ الكلمة عند الأمير فمن دونه إلى أن توفاه الله تعالى 1240هـ))اهـ.


 

وأخباره في التسهيل 2/207، وعلماء نجد 3/704، وإمارة الزبير 3/68 ..


 

وكلامنا هنا عن كتابه (الفوائد المنتخبات في شرح أخصر المختصرات) والذي كانت مخطوطته في مكتبة عبد الله الدحيان الحنبلي الكويتي ثم انتقلت إلى الأوقاف الكويتية، وهنالك وقف عليها الدكتور ابن برجس رحمه الله فقام بتحقيقها.


 

فوجئ الرجل أثناء التحقيق أن المؤلف (مناوئ لدعوة ابن عبد الوهاب) وأنه قد تعرض للشيخ محمد في كتابه هذا في أثناء باب الصلاة ومسألة رفع اليدين في الدعاء بعد الذكر حيث وصفه بـ(طاغية العارض) !


 

فقام ابن برجس بتحقيق الكتاب تحقيقا أمينا ـ فيما بدا لي ـ ولم يهمله أو يحذف منه شيئا، واكتفى بمناقشة المسألة في ثلاثة مواضع من التحقيق:


 

الموضع الأول : في مقدمة الكتاب حيث عقد فصلا لعقيدة العلامة عثمان بن جامع وبين أنه كان مناوئا لدعوة ابن عبد الوهاب شأنه في ذلك شأن شيخه العلامة الكبير ابن فيروز الحنبلي ودلل المحقق على مناوءته هذه بالإحالة على ص 207 من الكتاب حيث يصف المؤلف ابن عبد الوهاب بطاغية العارض ..


 

الموضع الثاني : في مقدمة الكتاب أيضا حيث عقد فصلا لذكر المآخذ على الكتاب، وهناك ذكر مجددا أنه تعرض لشيخهم وسبه في ص 207 ووصفه بـ ……………… (هنا لا وجود للوصف بطاغية العارض) وتم حذفه !!!!!


 

الموضع الثالث : في الكتاب نفسه ص207 في نص ابن جامع في باب الصلاة فقد أنكر على ابن عبد الوهاب ووصفه بما تقدم ولكن تم حذف عبارة (طاغية العارض) وبدلا منها وضعت نقط !!! ومع هذا علق ابن برجس على هذا الموضع وشرح كلمة (العارض) !! ودافع عن شيخهم ضد هجوم ابن جامع، وهذا يدل على أن الكلمة كانت موجودة في الأصل المحقق الذي كان بيد الدكتور ابن برجس ولكنه خرج من يده ووصل إلى يد من قام بالحذف في الموضع الثاني والثالث وفاته الأول !!!


 

سأضع الآن صورة غلاف الكتاب وتليها صور المواضع الثلاثة:


 

صورة الغلاف:

 

الموضع الأول ويلاحظ كلام ابن برجس وذكر عبارة (طاغية العارض) فيه:


 

 


 

الموضع الثاني ويلاحظ حذف العبارة واستبدالها بالنقط:

 

 


 

الموضع الثالث وترى فيه نص ابن جامع ووجود النقط

للدلالة على الحذف وتشاهد في الأسفل تعريف ابن برجس لكلمة (العارض) المحذوفة مع كلمة (طاغية):



 

وبعد .. فهذا مثال لتزوير جديد في كتب السلف لا نأمن في الطبعات القادمة أن يحذف منه أي دليل أو إشارة إلى المحذوف، فمن هو المسؤول عن هذا التزوير؟ من قام به؟ لاحظنا أن المحقق لم يكتم المسألة ولم يحذف العبارة في الموضع الأول، بل علق على كلمة (العارض) في ص207 ولكن أين النص؟ أين ذهب؟ من حذفه؟ يبعد عندي أن يكون المحقق نفسه فعل ذلك مع ما نرى من تلك الإشارات، فهل هي مؤسسة الرسالة حتى يسمح بالكتاب في السعودية؟ أم أياد داخل السعودية نفسها؟؟ لا أدري، والحاصل أنه تزوير ما كان ينبغي أن يتم ولا داعي له أصلا .. فليتركوا الكتاب كما هو وليعلقوا عليه بما شاؤوا وكفى الله المؤمنين شر التزوير.

ة


 

منقول من مواضيع سيدي وشخي الازهر من منتدي الازهريين

Laisser un commentaire

La vérité vous rendra libre |
Bgayet et sa région |
AMI-blog |
Unblog.fr | Annuaire | Signaler un abus | actualité des iles de l'océ...
| Brenda Asnicar
| L'Hippophagie